نزار القريشي: أسرار ترتيبات السياسة الدولية والشرق الأوسط الجديد
نزار القريشي
في خضم تكريس الحلف الذي يجمع بين الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، لصراعه مع الغرب و المحاولات التي يخوضها لتغيير النظام العالمي. يخطط ” البنتاغون” بتنسيق مع مكونات مجتمع الاستخبارات الأمريكي، تحت إشراف المخابرات الوطنية الأمريكية ” إن إس أي”، حسب ما تسرب من أوراق معلنة عن خطط لتقسيم المهام واستغلال الإدارة الأمريكية القادمة لتحييد الصين اقتصاديا وعسكريا بدعم من اليابان و الهند، فيما ستواصل الدولة العميقة عزلها لروسيا، على أن تتولى إسرائيل وحلفائها العرب عزل إيران بدعم من القيادة المركزية “سنتكوم”.فبعد إنهاء حرب غزة، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ونقل الجيش الروسي لأهم قطعه العسكرية من المعدات و اللوجستيك، من طرطوس و اللاذقية إلى شرق ليبيا في محاولة من ” الكريملين” للحفاظ على منافذه البحرية بالبحر الأبيض المتوسط. إلى ذلك، إن ذاك ما سيشتعل الوضع بشأنه من جديد على الساحة الليبية، في انتظار التطور الذي يلي ذلك، والذي يهدف لغلق مجرى الملاحة في وجه القطع البحرية الروسية بالبحر الأسود و بحر قزوين والداندانيل و البوسفور بموازة مع انتهاء ولاية ” رجب طيب أردغان” كرئيس لتركيا سنة 2028 م، وهو ما يجعل الجيش الروسي حبيس جزيرة القرم، وذلك انطلاقا من مناورات قاعدتي أنجرليك و ألكسندروبولس.هذا، و إن انتقال المواجهة بين ” الناتو” و ” الكريملين” على الأرض الليبية، تخدم خطة شعبة الاستخبارات داخل الجيش الإسرائيلي ” أمان”، في التشويش على الجيش المصري، وذلك للتضييق على النظام المصري عبر إشعال كل الجبهات على حدوده، وهو ما استنتج من ما ورد في الإعلام العبري على لسان خبرائه العسكريين، عبر الحديث عن سعي مصر المتنامي لتحقيق الردع ضد إسرائيل ، يضاف إلى ذلك ما تسرب عنه الكشف عن خداع مدير المخابرات العامة السابق “عباس كامل” لرئيس استخبارات “الشاباك” رونين بار.
وبالعودة إلى الملف الليبي. فإن الكريملين يسعى إلى ربط خطوط إمداداته من شرق ليبيا ، إلى منطقة الصحراء الكبرى و الساحل حيث يتواجد ” الفيلق الروسي”، وذلك لرفع مستوى الضغط على باريس، وهو هدف جزائري يريد “شنقريحة” ربطه عبر الطوارق بجنوب ليبيا إلى شمال مالي، وهو ما يؤكده تورط وارتباط “البوليساريو”، بشبكات الإرهاب الإقليمي و العابر للقارات، وهو أيضا ما يزيد من الصعوبات و الأعباء التي تواجهها مديرية الاستخبارات الخارجية الفرنسية بهذه بالمنطقة، إذ هذا ما دفع مؤخرا بسيناتور أمريكي للمطالبة من داخل “الكونجرس” بفرض عقوبات على جبهة البوليساريو باعتبارها منظمة إرهابية.
في السياق ذاته، يرى “البنتاغون” في ذلك، ضرورة ملحة لانخراطه في متابعة الصراع مع الروس على الساحة الليبية، لمنع الجيش الروسي من أكله للمربعات باتجاه الصحراء الكبرى و الساحل، في حين يتكفل البريطانيين عبر جبل طارق و أفريكوم من مراقبة وضع الجيش الصيني ب “جيبوتي”.إلى ذلك، إن اشتداد الصراع في السودان واستمراره ، يدفع بالجيش الإسرائيلي لحشد الدعم لأديسا بابا، لمواجهة الجيش المصري و وجوده بالصومال، الذي يعاكس الوجود الإسرائيلي بإريتريا. وهو من جانب آخر، ما تخدمه نهاية الحرب بغزة، إذ يُبعد ذلك جماعة الحوثي عن أي مقاربة عسكرية بنطاق خليج عدن و باب المندب، مما يعيد معه انتعاش أمن طريق التجارة الجديد الذي يربط الإمارات و إسرائيل بالهند و أوروبا، ويقطع أوصال مبادرة الحزام و الطريق الصينية. وهو ما يؤكد أن اشتغال الإدارة الأمريكية القادمة على إنهاء الحروب، لن تشمل كل النزاعات الدولية، وهي ضرورة من ضرورات سلسلة الإنتاج الخاص بالمجمع العسكري الأمريكي، غير أن هذه الإدارة الجديدة قد تنجح في إعادة قطار التطبيع إلى سكته بين إسرائيل و الدول العربية إذ ستلتحق المملكة العربية السعودية بمسار ” اتفاقات أبراهام”، بعدما تم عرقلته بعملية 7 أكتوبر، والغموض الذي مارسه محمد بن سلمان، لتحسين شروط تفاوضه.
ومن جانب آخر، سيستمر تمدد الصراع بين الناتو و الكريملين في مناطق عدة حول العالم، وسيستمرمعه سعي البنتاغون الحثيث في غلق الممرات المائية بوجه سلاح البحرية الروسية ، إذ سيمتد ذلك حتى بحر البلطيق عبر أعضاء الناتو الجدد فلندا و السويد، ومن البحر الهادئ عبر أستراليا و اليابان، ومن غرب المتوسط عبر جبل طارق، وهو أيضا ما يؤكد على البعد الجيوسياسي و العسكري لجزيرة جرينلاند،
ومطالبة أصوات أوروبية على هامش تصريحات ترامب بشراء الجزيرة، بضرورة زيادة عدد قوات الناتو بها للتمكن من إسناد سريع لأي جبهة محتملة يفتحها الكريملين ضد أي تحرك من قوات الناتو باتجاه وسط المحيط المتجمد الشمالي، كما يعتبرها آخرون حائط صد لولاية آلاسكا من أي تحرش روسي.
لذلك، يتضح أن ترتبيات المرحلة و خططها تضمن للبنتاغون كسب استراتيجياته الدولية، لأن الظروف على الأرض تسمح له بأكل المربعات على الساحات الإقليمية و الدولية على المدى القريب و المتوسط، وهو ما تدعمه استخبارات ” إم أي 6 ” و قصر ” الإليزيه”، و هو ما سيؤدي في النهاية لإخضاع إيران بالشرق الأوسط لأن نجاح ” البنتاغون” في تحويل هذا الصراع ضد طهران إلى ذكاء حربي محسوم النتائج و المخاطر، ينذر بسقوط أسطورة إيران، وظهور معالم شرق أوسط جديد، و هو ما سيتجلى بعد نهاية رئاسة أردوغان لتركيا سنة 2028 م ، عبر رؤية أمريكية- عربية، ستنهي التهديد و التمدد الإيراني السابق بالمنطقة، وهو تطور سيشهده الإقليم من أجل إعادة ضبطه و صوغ أحلافه من جديد، مما سيعزل القاهرة مرحليا عن أي مبادرة بسبب سعيها المتنامي لحقيق الردع مع إسرائيل، و هي وجهة نظر إسرائيلية خالصة، يتأكد منها أن إدارة الموقف العربي بالشرق الأوسط ، ستكون من مبادرات أبو ظبي و الرياض، و أن إدارته من أفريقيا ستكون من مبادرات الرباط، وهو ما يؤكده الحديث عن ضرورة حصول المملكة المغربية على عضوية مجلس الأمن كممثلة للقارة الأفريقية ، إذ تدعم فرنسا و بشدة هذه الخطوة في إطار هيكلة جديدة للأمم المتحدة تسعى لتحديث النظام العالمي من داخله و دون تغييره، و هي رغبة مشتركة للحزبين الديمقراطي و الجمهوري تنطلق من واشنطن، تخدم محاولات استمرار أمريكا في قيادة العالم.
صحافي مغربي
متخصص في شؤون الأمن والاستخبارات
ندرك جيدا أنه لا يستطيع الجميع دفع ثمن تصفح الصحف في الوقت الحالي، ولهذا قررنا إبقاء صحيفتنا الإلكترونية “راي اليوم” مفتوحة للجميع؛ وللاستمرار في القراءة مجانا نتمنى عليكم دعمنا ماليا للاستمرار والمحافظة على استقلاليتنا، وشكرا للجميع
للدعم: